الفضاء يتحول إلى ساحة مواجهة بين القوى الكبرى

أضيف بتاريخ 08/23/2025
منصة أخبار


يشهد الفضاء سباقاً متسارعاً بين الولايات المتحدة وروسيا مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، حيث أصبح يُنظر إلى المدار الأرضي ليس فقط كمنصة للاتصالات والمراقبة، بل كساحة محتملة للمواجهة العسكرية. التطورات الأخيرة تشير إلى تحولات عميقة في العقيدة العسكرية للدول الكبرى، بعد أن كان الفضاء يُصنف لعقود كمنطقة مخصصة للاستخدامات السلمية.  

في الولايات المتحدة، مثّل إعلان قائد القيادة الفضائية الجنرال ستيفن وايتن عن الحاجة إلى منظومات تسليح مدارية منعطفاً تاريخياً، إذ دعا صراحة إلى نشر قدرات هجومية ودفاعية في المدار لمواجهة التهديدات المتنامية. هذا الموقف ترافق مع إطلاق واشنطن مشروع "القبة الذهبية"، الذي يهدف إلى إنشاء نظام دفاع صاروخي متعدد المكونات يستند إلى مستشعرات ومنصات اعتراضية في الفضاء، بميزانية ضخمة تتجاوز 175 مليار دولار.  

على الجانب الآخر، تواجه موسكو اتهامات بتطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية بعد إطلاق القمر "كوزموس 2553"، وسط مخاوف غربية من أن أي تفجير نووي مداري سيؤدي إلى دمار واسع في البنية التحتية الفضائية، مع تداعيات خطيرة على الأقمار الصناعية المدنية والعسكرية على حد سواء. ورغم تعطل القمر المذكور، تعتبره تقارير استخباراتية جزءاً من برنامج لاختبار مكونات قادرة على تحمل الإشعاعات النووية في الفضاء.  

التهديدات لم تعد محصورة بالسلاح التقليدي أو بالمدارات العليا، إذ تزايدت الهجمات السيبرانية التي تستهدف الأنظمة الأرضية للأقمار الصناعية. هجوم فبراير 2022 على شبكة "فياسات" مثال واضح على المخاطر، بعدما أدى إلى تعطيل عشرات الآلاف من الوحدات في أوروبا تزامناً مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. في الوقت ذاته، تعرضت شبكات "ستارلينك" لمحاولات اختراق متكررة، باعتبارها عصباً رئيسياً للاتصالات العسكرية الأوكرانية.  

كما أظهرت تجارب روسية استخدام أقمار "مفتشة" قادرة على الاقتراب من أقمار أخرى بشكل مثير للقلق، ما يعزز المخاوف من قيام دول بتطوير تقنيات مضادة للأقمار عبر وسائل غير معلنة. هذه التحركات تؤكد أن الفضاء بات امتداداً مباشراً للتنافس الجيوسياسي، حيث لا يقتصر الصراع على الحدود الأرضية أو البحرية، بل يشمل المجال المداري الذي تعتمد عليه قطاعات حيوية مثل الاقتصاد العالمي، الملاحة، الاتصالات والأمن العسكري.  

وسط هذه التطورات، يبقى مستقبل الفضاء مهدداً بين مسارين متناقضين: إما أن يتم تكريس الجهود الدولية لإعادة التأكيد على الطابع السلمي لاستخداماته، أو أن يتحول إلى ساحة صراع مفتوح، بما قد يغير موازين القوة العالمية لعقود مقبلة.