يعيش السودان اليوم أزمة إنسانية حادة تتجلى في موجة جوع غير مسبوقة، حيث سجلت مدينة الفاشر وحدها 63 حالة وفاة بسبب سوء التغذية خلال أسبوع واحد، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لتقارير إدارة الصحة المحلية. وتشير التقديرات إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، إذ يتعذر على العديد من المتضررين الوصول إلى المستشفيات.
وفي تقرير نشرته صحيفة "بيلد" الألمانية، كشف فولكر بيرتس، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة إلى السودان، أن المجتمع الدولي لم ينس المجاعة في السودان، بل يتجاهلها عمداً. وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر منذ مايو 2024، في ظل حرب أهلية مستمرة منذ أبريل 2023، أدت إلى نزوح 14 مليون شخص.
وحسب تقييمات الأمم المتحدة، يواجه أكثر من 24 مليون سوداني انعدام الأمن الغذائي، منهم 8.1 مليون شخص يعانون من نقص حاد في الغذاء، و638 ألف شخص يواجهون خطر الموت جوعاً ما لم تصل المساعدات العاجلة. وتؤكد منظمة اليونيسف أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما تتعرض حياة 700 ألف منهم لخطر مباشر.
وتتفاقم الأزمة مع تفشي وباء الكوليرا، حيث سُجلت 83 ألف حالة إصابة في يوليو وحده، مما أدى إلى وفاة 2100 شخص. ولا يعمل سوى 30% من المستشفيات، في ظل نقص حاد في المياه النظيفة والمستلزمات الطبية ومواد النظافة الأساسية. كما حُرم أكثر من 17 مليون طفل من التعليم، مما يعرض الفتيات بشكل خاص لخطر العنف والاتجار بالبشر والزواج القسري.
ورغم امتلاك السودان لأراضٍ خصبة وتاريخ في تصدير الغذاء، منعت الحرب المزارعين من زراعة أراضيهم وحصاد محاصيلهم. وأوضح بيرتس أن أطراف النزاع يستخدمون الجوع كسلاح، ويمنعون عمداً وصول المساعدات الإنسانية. ويحذر خبراء منظمة "فيلتهونغرهيلفه" من احتمال تدهور الوضع خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر، التي تتسم تاريخياً بانخفاض المحاصيل.
يؤكد المراقبون أن تجاهل المجتمع الدولي للأزمة يشجع الأطراف المتحاربة على مواصلة صراعهم للسيطرة على المزيد من الأراضي. ويشددون على أن وقف إطلاق النار يمثل الخطوة الأولى الضرورية لتخفيف معاناة السكان وإتاحة الفرصة للمجتمع المدني لبناء سلام مستدام.