تعتزم إسرائيل والإمارات العربية المتحدة إطلاق مشروع بحث وتطوير مشترك يستهدف حماية الطائرات المدنية وطائرات النقل من تهديد الصواريخ المحمولة على الكتف، في خطوة تعكس انتقال الشراكة بين الطرفين من التعاون الاقتصادي والدبلوماسي إلى بناء منظومات أمنية وتكنولوجية متقدمة. يقوم هذا المشروع على تطوير نظام اعتراض ناعم أي دفاع لا يعتمد على تدمير الصاروخ بشكل مباشر، بل على خداعه وتشويش أنظمة التوجيه الخاصة به، بما يقلل من كلفة التشغيل والمخاطر المرتبطة باستخدام وسائل تدمير صلبة قرب أجواء مدنية مزدحمة أو فوق مناطق مأهولة
يرتكز مفهوم الاعتراض الناعم في هذا السياق على تقنيات توجيه أشعة ليزرية أو حزم أشعة تحت الحمراء نحو رأس الصاروخ الباحث عن الحرارة، ما يؤدي إلى تضليل المستشعرات وتحويل الصاروخ عن مساره الأصلي بعيداً عن الطائرة المستهدفة. مثل هذه الأنظمة معروفة في عالم الدفاع الجوي تحت مسمى الإجراءات المضادة الكهروبصرية الموجهة، وقد طورت إسرائيل نسخاً مخصصة للاستخدام على الطائرات المدنية التابعة لشركاتها الوطنية، حيث تُثبت في حاضنات خارجية أسفل هيكل الطائرة وتعمل بشكل آلي عند رصد التهديد. الفكرة الآن هي نقل هذا التميز التقني إلى مستوى تعاون ثنائي مع الإمارات لتطوير جيل أحدث وأكثر تكاملاً مع متطلبات شركات الطيران الإقليمية والعالمية.
يتوقع أن يواكب النظام الجديد معايير صارمة في مجالي السلامة والطيران المدني، إذ يتعين ألا يؤثر تشغيله في أداء الطائرة أو يعرقل أنظمة الملاحة والاتصالات على متنها، كما يجب أن يحظى بموافقة سلطات الطيران الدولية. من منظور إماراتي يمثل الاستثمار في هذا النوع من المنظومات جزءاً من استراتيجية أوسع لبناء قاعدة صناعية دفاعية وتقنية متقدمة، مستفيدة من خبرة إسرائيل الطويلة في مجال أنظمة الدفاع الصاروخي والتقنيات الكهروبصرية. في المقابل تجد إسرائيل في الشراكة مع الإمارات فرصة لتوسيع سوق هذه التقنيات نحو شركات الطيران الخليجية والآسيوية، وتحويل المعرفة التقنية المتراكمة في حماية طائراتها إلى منتج قابل للتصدير المشترك.
يحمل هذا المشروع بعداً جيوسياسياً واضحاً، إذ يعمق اندماج الإمارات في منظومة الأمن الإقليمي القائمة على التفوق التكنولوجي والتعاون مع القوى العسكرية المتقدمة في المنطقة. كما يعكس تحوّل إسرائيل من مجرد مزود أمني إلى شريك بحث وتطوير يشارك في تمويل وإدارة مشاريع بعيدة المدى، ما يعني قيام شبكات مصالح جديدة تتجاوز الملفات السياسية التقليدية. في ظل استمرار تهديد الصواريخ المحمولة على الكتف في مناطق التوتر، تسعى شركات الطيران والدول المعنية إلى حلول تضمن استمرار حركة الطيران التجاري مع تقليل المخاطر الأمنية، وهو ما يجعل من هذه الشراكة نموذجاً مبكراً لاحتمال انتشار أنظمة الحماية الناعمة على نطاق أوسع في صناعة الطيران المدني.
على المستوى العملي قد يؤدي نجاح هذا المشروع إلى إعادة تعريف معايير الحماية المطلوبة للطائرات التي تعمل في أجواء محفوفة بالمخاطر، خاصة الرحلات المتجهة إلى مناطق نزاعات أو دول تشهد نشاطاً لمجموعات مسلحة تمتلك أسلحة مضادة للطائرات. كما يفتح الباب أمام تعاونات إضافية في مجالات الاستشعار المتقدم والذكاء الاصطناعي وتحليل التهديدات في الزمن الحقيقي، إذ إن أي نظام اعتراض حديث يحتاج إلى بنية معلوماتية دقيقة لرصد وإدارة المخاطر. بهذا المعنى لا يقتصر أثر المبادرة على بعد تقني ضيق، بل يمتد ليشكل جزءاً من تحول أوسع في العلاقة بين الأمن المدني والتفوق التكنولوجي والتحالفات الجديدة في الشرق الأوسط.


