‎صفقة غاز تاريخية بين إسرائيل ومصر بقيمة 35 مليار دولار

أضيف بتاريخ 12/19/2025
منصة أخبار

تؤكد التطورات الأخيرة في قطاع الطاقة الإقليمي إقرار أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل، بقيمة تقديرية تبلغ 35 مليار دولار، لتوريد الغاز الطبيعي إلى مصر على مدى سنوات طويلة. هذه الصفقة تأتي في لحظة حرجة بالنسبة لمصر التي تواجه أزمة حادة في الطاقة وتراجعًا في الإنتاج المحلي من الغاز. ما دفعها إلى زيادة اعتمادها على الاستيراد لتلبية الطلب الداخلي وتأمين احتياجات محطات الكهرباء والصناعة، وأيضًا لتعزيز قدرتها على إعادة تصدير الغاز بعد تسييله في منشآتها على البحر المتوسط. في المقابل، تنظر إسرائيل إلى الاتفاق باعتباره محطة مفصلية لترسيخ موقعها كقوة غاز إقليمية، وبوابة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي عبر ربط مصالحها الاستراتيجية مع دول الجوار والمؤسسات الغربية المعنية بأمن الطاقة.



بموجب الاتفاق، سيتم تصدير حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان البحري إلى مصر على امتداد فترة تُقدّر بنحو 15 عامًا. هذا ما يمثل قفزة نوعية مقارنة بالعقود السابقة بين الجانبين. ويشارك في مشروع ليفياثان عدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين في قطاع الطاقة، بينهم شركات مثل نيو مِد إنرجي وشيفرون، في إطار شراكة تستهدف تعزيز استغلال احتياطات شرق المتوسط وتوجيهها إلى أسواق أوروبا وآسيا عبر البوابة المصرية. ويتيح هذا الترتيب لمصر الاستفادة من البنية التحتية الكبرى التي تمتلكها في مجال تسييل الغاز في إدكو ودمياط، وإعادة تصديره كغاز مسال إلى الأسواق العالمية. وهذا ما يضمن تدفقات إضافية من العملة الصعبة التي تمسّ الحاجة إليها في ظل الضغوط الاقتصادية المتصاعدة.

على الصعيد الإسرائيلي، وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصفقة بأنها "أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل". وأشار إلى أنها تعزز عوائد الدولة من حقول الغاز البحرية وتوفر موارد مالية ضخمة يمكن توظيفها في الاقتصاد المحلي والبنية التحتية وملفات الأمن والطاقة. كما اعتُبرت الموافقة الرسمية على الاتفاق نتيجة مسار تفاوضي امتد لأشهر، تداخلت فيه اعتبارات تسعير الغاز للسوق المحلي الإسرائيلي مع ضغوط من الشركاء التجاريين ومن أطراف دولية مهتمة باستقرار إمدادات الطاقة في شرق المتوسط. وتبدو هذه الصفقة، في جانب منها، استجابة لحسابات استراتيجية تسعى إلى تحويل الغاز إلى أداة نفوذ سياسي واقتصادي، في محيط يشهد تنافسًا متزايدًا على خطوط الإمداد ومسارات التصدير نحو أوروبا، في ظل الاضطراب الذي أصاب سوق الطاقة العالمية منذ الحرب في أوكرانيا وتقلّب أسعار النفط والغاز.

أما بالنسبة لمصر، فإن الاتفاق يُظهر عمق الفجوة بين طموحها في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة وبين واقع العجز المتزايد في الإنتاج المحلي. فقد انتقلت في سنوات قليلة من وضع المصدّر إلى وضع المستورد ثم إلى مزيج معقد يجمع الاستيراد وإعادة التصدير. ويُتوقَّع أن يُسهم الغاز الإسرائيلي في تخفيف حدة انقطاعات الكهرباء التي عانى منها الشارع المصري في فترات الذروة، كما يوفر كميات إضافية لمصانع البتروكيماويات والصناعات الثقيلة التي تحتاج إلى استقرار في إمدادات الطاقة لضمان استمرار الإنتاج. غير أن ثمن هذه "الجرعة" من الاستقرار الطاقي ليس تقنيًا أو اقتصاديًا فقط، بل سياسيًا أيضًا. إذ تحمّل الحكومة المصرية كلفة شعبية وإعلامية كبيرة نتيجة تعاظم التعاون الاقتصادي مع إسرائيل في وقت تتواصل فيه الحرب على غزة وتتصاعد مشاعر الغضب والتضامن الشعبي مع الفلسطينيين.

في البعد الجيوسياسي، تعزّز الصفقة شبكة المصالح المتشابكة بين القاهرة وتل أبيب في ملف الطاقة، وتُعمِّق من حضور إسرائيل في معادلة شرق المتوسط عبر علاقات اقتصادية صلبة، تتجاوز الأبعاد الأمنية والعسكرية التي شكّلت تقليديًا أساس معاهدة السلام بين البلدين. كما تمنح هذه الاتفاقية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ورقة إضافية في مساعي تنويع مصادر إمدادات الغاز بعيدًا عن روسيا، إذ يُنظر إلى شرق المتوسط كأحد المسارات البديلة التي يمكن أن تسهم ولو جزئيًا في سد فجوة الإمدادات. وفي الوقت ذاته، يبعث العقد رسالة إلى قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر والسعودية مفادها أن موازين الطاقة في المنطقة تعاد صياغتها على نحو يضع إسرائيل كشريك لا يمكن تجاهله في أي معادلة تخص الغاز والبنى التحتية المرتبطة به.

ومع ذلك، يبرز في خلفية هذا المشهد تساؤل أخلاقي وسياسي حاد حول توقيت الصفقة وسياقها، خاصة في ضوء استمرار المعاناة الإنسانية في غزة والمقاطعات الشعبية المتزايدة للمنتجات والشركات المرتبطة بإسرائيل في العالم العربي. بالنسبة لقطاع واسع من الرأي العام العربي، يمثل تعزيز التعاون الطاقي مع إسرائيل نوعًا من التطبيع الاقتصادي الذي يتعارض مع المزاج الشعبي، ويُنظر إليه كمنح مكافأة سياسية واقتصادية لدولة متهمة بارتكاب انتهاكات واسعة في الأراضي الفلسطينية. وبينما تراهن الحكومات على أن المكاسب الاقتصادية والأمنية ستُخفِّف من حدّة الاعتراضات، تبقى الفجوة قائمة بين خطاب المصالح الاستراتيجية الرسمية ومشاعر الشارع العربي الذي يرى في مثل هذه الصفقات تكريسًا لاختلال موازين القوى في المنطقة لصالح إسرائيل وحلفائها